كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأما استدلالهم بأن عمر قال في الكلالة: إني لأستحيي من الله أن أخالف أبا بكر. وأن ذلك تقليد منه له. فلا حجة لهم فيه أيضًا.
وخلاف عمر لأبي بكر رضي الله عنهما أشهر من أن يذكر.
كما خالفه في سبي أهل الردة فسباهم أبو بكر. وخالفه عمر.
وبلغ خلافه إلى أن ردهن حرائر إلى أهلهن إلا لمن ولدت لسيدها منهن.
ونقص حكمه. ومن جملتهن خو لة الحنفية أم محمد بن علي.
وخالفة في أرض العنة فقسمها أبو بكر ووقفها عمر.
وخالفه في المفاضلة في العطاء. فرأى أبو بكر التسوية. ورأى عمر المفاضلة.
وخالفه في الاستخلاف. فاستخلف أبو بكر عمر على المسلمين. ولم يستخلف عليهم عمر أحدًا إيثارًا لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على فعل أبي بكر رضي الله عنهم.
وخالفه في الجد والإخوة. مع أن خلاف أبي بكر الذي استحيى منه عمر هو خلافه في قوله: إن يكن صوابًا فمن الله. وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان. والله منه برئ. هو ما دون الولد والوالد فاتسحيى عمر من مخالفة أبي بكر في اعترافه بجواز الخطأ عليه. وأنه ليس كلامه كله صوابًا مأمونًا عليه الخطأ.
ويدل على ذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أقر عند موته أنه لم يقض في الكلالة بشيء.
وقد اعترف أنه لم يفهمها. قاله في إعلام الموقعين.
ومن العجب استدلال المقلدين على تقليدهم. باستحياء عمر من مخالفة أبي بكر. مع أنهم لم يستحيوا من مخالفة أبي بكر وعمر. وجميع الصحابة. ومخالفة الكتاب والسنة إذا كان ذلك. لا يوافق مذهب إمامهم. كما هو معلوم من عادتهم.
وكما أوشحه الصاوي في الكلام الذي قدمنا على قوله تعالى: {ولاَ تَقولنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذلك غَدًا إِلاَّ أَن يَشَاءَ الله} [الكهف: 23- 24].
فقد قدمنا هناك أنه قال: إن من خرج عن المذاهب الأربعة فهو ضال مضل. ولو وافق الصحابة. والحديث الصحيح والآية.
وربما أداه ذلك إلى الكفر. لأن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصو ل الكفر!
فمن هذا مذهبه ودينه. وكيف يستدل باستحياء عمر من مخالفة أبي بكر؟
بل كيف يستدل بنص من نصوص الوحي. أو قول أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
مع أن أبا بكر خليفة راشد أمر النبي بالاقتداء به في قوله: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي» الحديث.
فليس الاقتداء بالخلفاء كالاقتداء بغيرهم.
وأما استدلالهم على تقليدهم بقول عمر لأبي بكر رضي الله عنهما: رأينا لرأيك تبع.
فيكفي في رده ما قدمنا قريبًا. من مخالفة عمر لأبي بكر. مع القصة التي قال له فيها: رأينا لرأيك تبع. رد فيها على أبي بكر بعض ما قاله.
وأيد الصحابة ما قال عمر في رده على أبي بكر رضي الله عنهما.
لأن الحديث المذكور في وفد بزاخة من أسد وغطفان حين قدموا على أبي بكر يسألونه الصلح. فخيرهم أبو بكر بين الحرب المجلية والسلم المخزية.
فقالوا هذا المجلية والسلم المخزية.
فقالوا هذه المجلية قد عرفناها. فما المخزيه.
قال: تنزع منكم الحلقة والكراع. ونعنم ما أصبنا لكم وتردون لنا ما أصبتم منا؟ وتدون لنا قتلانا إلى آخر كلامه.
وفيه: فقام عمر بن الخطاب فقال: قد رأيت رأيًا سنشير عليك.
أما ما ذكرت من الحرب المجلية والسلم المخزية فنعم ما ذكرت.
وما ذكرت من أن نغنم ما أصبنا منكم. وتردون ما أصبتم منا. فنعم ما ذكرت.
وأما ما ذكرت من أن تدون قتلانا وتكون قتلاكم في النار.
فإن قتلانا قد قاتلت فقتلت على ما أمر الله أجورها على الله. ليس لها ديات.
فتتابع القوم على ما قال عمر رضي الله عنه.
فهذه القصة الثابتة: هي التي في بعض ألفاظها ورأينا لرأيك تبع.
وأنت ترى عمر رضي الله عنه لم يقلد فيها أبا بكر رضي الله عنه. إلا فيما يعتقد صوابه.
فإنما ظهر له أنه صواب قال فه فيه: نعم ما ذكرت.
وما ظهر له أنه ليس بصواب رده على أبي بكر. وهو قول أبي بكر بدفع ديات الشهداء.
لأن عمر يعتقد أن الشهيد في سبيل الله لا دية له. لأن الله يقول: {إِنَّ الله اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجنة يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التوراة والأنجيل والقرآن وَمَنْ أوفى بِعَهْدِهِ مِنَ الله فاستبشروا بِبَيْعِكُمُ الذي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هو الفوز العظيم} [التوبة: 111].
وذلك يوضح لك أن الصحابة رضي الله عنهم لا يعدلون عن الكتاب والسنة إلى قول أحد.
وأما احتجاجهم بتقليد ابن مسعود لعمر فهو ظاهر السقوط. ولو وافق عمر في بعض المسائل فهو من قبيل موافقة بعض العلماء لبعض. لاتفاق رأيهم لا لتقليد بعضهم لبعض.
وقد خالف ابن مسعود عمر رضي الله عنهما في مسائل كثيرة جدًّا. كمخالفته له في أم الولد. لأن ابن مسعود يقول فيها إنها تعتق من نصيب ولدها. ومن ذلك أن ابن مسعود كان يطبق في ركوعه إلى أن مات. وعمر كان يضع يديه على ركبتيه.
وكان ابن مسعود يقول في الحرام هي يمين وعمر يقول: إنه طلقة واحدة.
وكان ابن مسعود يحرم النكاح بين الزانيين وعمر يتوبهما. وينكح أحدهما الآخر.
وكان ابن مسعود يرى بين الأمة طلاقها. وعمر يرى عدم ذلك وأمثال هذا كثيرة معلومة.
ومع أن ابن مسعود يقول: إنه اعلم الصحابة بكتاب الله وأنه لوكان يعلم أحدًا أعلم منه به لرحل إليه.
ولم ينكر عليه أحد من الصحابة.
وقد قدمنا عنه قوله: «كن عالمًا أو متعلمًا ولا تكن إمعة»
فليس ابن مسعود من أهل التقليد. مع أن المقلدين المحتجين بتقليد ابن مسعود لعمر. لا يقلدون ابن مسعود. ولا عمر ولا غيرهما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولا يأخذون بقول الله ولا رسوله وإنما يفضلون على ذلك كله تقليد أحد الأئمة أصحاب المذاهب رحمهم الله.
وأما استدلالهم على التقليد بأن عبد الله كان يدع قوله لقول عمر.
وأبو موسى كان يدع قوله لقول علي.
وزيد يدع قوله لقول أبي بن كعب فهو ظاهر السقوط أيضًا.
لأنه من المعلوم أن الصحابة المذكورين رضي الله عنهم لا يدعون سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول أحد. وهذا لا شك فيه.
وكان ابن عمر يدع قول عمر. إذا ظهرت له السنة.
وكان ابن عباس يقول: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء. أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتقولون: قال أبو بكر وعمر.
وأما استدلالهم على التقليد بأن معاذًا رضي الله عنه صلى مسبوقًا فصلى ما أدرك مع الإمام أولا. ثم قضى ما فاته بعد سلام الإمام. وكانوا قبل ذلك يصلون ما فاتهم أولا ثم يدخلون مع الإمام في الباقي.
وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في ذلك «إن معاذًا قد سن لكم سنة. فكذلك فافعلوا» فهو ظاهر السقوط أيضًا. لأن ذلك لم يكن سنة إلا بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كما لا يخفى.
فلا حجة قطعًا في قول أحد كائنًا من كان. ورسول الله صلى الله عليه وسلم موجود.
وإنما العبرة بقوله صلى الله عليه وسلم وفعله وتقريره.
وهذا معلوم بالضرورة من الدين.
وأما استدلالهم على التقليد بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الذين آمنوا أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول وَأولي الأمر مِنْكُمْ} [النساء: 59].
قائلين إن المراد بأولي الأمر العلماء. وأن طاعتهم المأمور بها في الآية هي تقليدهم. فهو ظاهر السقوط أيضًا.
لأنه لا يجوز طاقة أولي الأمر إجماعًا فيما خالف كتابًا أوسنة. ولا طاعة لهم إلا في المعروف كما جاءت به الأحاديث الصحيحة عنه صلى الله عليه وسلم.
ولا نزاع بين المسلمين في أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
والتحقيق في معنى الآية الكريمة أن المراد بأولي الأمر: ما يشمل الأمراء والعلماء.
لأن العلماء مبلغون عن الله وعن رسوله. والأمراء منفذون. ولا تجوز طاعة أحد منهم إلا فيما أذن الله فيه.
لأن ما أمر به أولوالأمر لا يخلومن أحد الأمرين:
أحدهما: أن يكون طاعة لله ولرسوله من غير نزاع. وطاعة أولي الأمر في مثل هذا من طاعة الله ورسوله.
والثاني: أن يحصل فيه نزاع هل هو من طاعة الله ورسوله أولا؟
وفي هذه الحالة لا تجوز الطاعة العمياء لأولي الأمر ولا التقليد الأعمى كما صرح الله تعالى بذلك في نفس الآية.
لأنه تعالى لما قال: {وَأَطِيعُواْ الرسول وَأولي الأمر مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله والرسول إِن كُنْتُم} [النساء: 59]. أتبع ذلك قوله: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله والرسول إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر ذلك خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59].
فالآية صريحة في رد كل نزاع إلى الله ورسوله.
والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه. والرد إلى رسوله صلى الله عليه وسلم. هو الرد إليه في حياته. والرد إلى سنته بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.
وفي الكتاب العزيز: {ولاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} [الممتحنة: 12].
ولا يخفى أن طاعة الله وطاعة رسوله المأمور بها في الآية لا يتحقق وجودها إلا بمعرفة أمر الله ورسوله ونهي الله ورسوله.
والمقلدون مقرون على أنفسهم بأنهم لا يعلمون أمر الله ولا نهيه. ولا أمر رسوله ولا نهيه.
وغاية ما يدعون علمه هو أن الإمام الذي قلدوه قال كذا. مع عجزهم عن التمييز بين ما هو خطأ وما هو صواب. بل أكثرهم لا يميزون بين قول الإمام وبين ما ألحقه أتباعه بعده مما قاسوه على أصو ل مذهبه.
ولا شك أن طاعة العلماء هي اقتفاء ما كانوا عليه من النظر في كتاب الله وسنة رسوله وتقديمهما على كل قول وعلى كل رأي كائنًا ما كان.
فمن قلدهم التقليد الأعمر وترك الكتاب والسنة لأقوالهم. فهو المخالف لهم المتباعد عن طاعتهم كما تقدم. وكما سيأتي إن شاء الله.
وأما استدلالهم على التقليد بقوله تعالى: {والسابقون الأولون مِنَ المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ} [التوبة: 100]. قائلين: إن تقليدهم من جملة اتباعهم بإحسان. فمقلدهم ممن رضي الله عنه بنص الآية فهو ظاهر السقوط أيضًا:
لأن الذين ابتعوهم بإحسان هم الذين ساروا على مثل ما كانوا عليه من العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فلم يكن أحد منهم يقلد رجلًا ويترك الكتاب والسنة لقوله.
فالمقلدون التقليد الأعمر ليسوا ممن اتبعهم ألبتة. بل هم أعظم الناس مخالفة لهم. وأبعدهم عن اتباعهم. فأتبع الناس لمالك مثلًا ابن وهب ونظراؤه. ممن يعرضون أقواله على الكتاب ولاسنة. فيأخذون منها ما وافقهما دون غيره.
وأتبع الناس لأبي حنيفة أبويوسف ومحمد مع كثرة مخالفتهما له. لأجل الدليل من كتاب أوسنة.
وأتبع أصحاب أحمد بن حنبل له البخاري ومسلم وأبوداود والأثرم لتقديمهم الدليل على قوله وقول غيره. وهكذا.
وأما استدلالهم على تقليدهم: بحديث «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» فهو ظاهر السقوط أيضًا.
اعلم أولا أن الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو حديث ضعيف لا يصح الاحتجاج به.
فجميع طرقه ليس فيها شيء قائم. قال في إعلام الموقعين.
روى هذا الحديث من طريق الأعمش عن أبي سفيان عن جابر. ومن حديث سعيد بن المسيب عن ابن عمر.
ومن طريق حمزة الجري عن نافع عن ابن عمر. ولا يثبت شيء منها.
قال ابن عبد البر حدثنا محمد بن غبراهيم بن سعيد أنا أبا عبد الله بن مضرح حديثهم ثنا محمد بن أيوب الصموت قال: قال لنا البزار.
وأما ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» فهذا الكلام لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم اه. منه.
وضعف الحديث المذكور معروف عند أهل العلم.
مع أن المقلدين المحتجين به يمنعون تقليد الصحابة. ويحرمون الاهتداء بتلك النجوم.
وهوتناقض عجيب لأنهم تركوا نفس ما دل عليه الحديث واستدلوا بالحديث على ما لم يتعرض له الحديث. وهو تقديمهم تقليد أئمتهم على تقليد الصحابة.
مع أن قياسهم على لاصحابة لا يصح لعظم الفارق. وبما ذكرنا تعلم سقوط استدلالهم بما ذكروا عن ابن مسعود من قوله: «من كان مستنًا منكم فليستن بمن قد مات أولئك أصحاب محمد».
والله جل وعلا يقول: {أَتَأْمُرُونَ الناس بالبر وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 44] الآية.
وأما استدلالهم بقوله صلى الله عليه وسلم «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي»
وقوله صلى الله عليه وسلم «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر» فهو حجة عليهم لا لهم.